قصة إعلانات قصب السكر  ..تعرف علي  تاريخ العسل الأسود  بالصعيد \ صور

وشارك أشرف الداودي محافظ قنا مساء أمس  في ورشة عمل لفريق برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر لمناقشة خطة تنفيذ أعمال التطوير لصناعة العسل الأسود، وذلك بحضور الدكتور هشام الهلباوي مدير برنامج التنمية المحلية لصعيد مصر والوفد المرافق له وعدد من العاملين بصناعة العسل الأسود بالمحافظة.

وأوضح محافظ قنا أن تطوير التكتلات الاقتصادية الصناعية  من أهم محاور برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر الذي يجري تنفيذه بمحافظتي قنا وسوهاج ، لافتا أنه سيتم من خلال البرنامج تدريب العاملين بهذا القطاع علي كيفية إدارة المشروع بطريقة علمية حديثة، بالإضافة إلي تطوير طريقة التصنيع بأساليب حديثة ومعدات متطورة توفر الوقت والجهد والتكلفة وتعطي جودة أفضل للمنتج، وأضاف أن البرنامج  سيوفر الدعم المالي للعاملين بهذا القطاع تسهيلا عليهم في تنفيذ أعمال تطوير تلك الصناعة التاريخية بالصعيد.

يؤكد المؤرخون أن الفاطميون كانوا يجبرون الفلاحين على حمل القصب لدار الفطرة والتى كانت تشتمل بدورها على سبعمائة قنطار من السكر وخمسة قناطير من العسل الأسود، وذلك لتفريقها على الخاصة والعامة فى الأعياد والمناسبات، ولكن إذا كانت حلوى القنود وهو مايعرف بالسكر الأحمر الغليظ كان يستخدمه الفاطميون فى أعيادهم وحفلات السمر قد اختفى نهائيا ولم يعد له وجود إلا فى كتب الرحالة القدامى، فقد أبدله المصريون المعاصرون بسكر الجلاب، وهو من الصناعات التي تأتي من العسل الأسود حاليا بعد تسخينه ثم تجميده في مرك نجع حمادي شمالي قنا.

تدهورت صناعة السكر بمشتقاته في حقبة الغزو العثماني لمصر حتي بلغت المساحة المنزرعة منه في مصر حوالي 150 ألف فدان فقط، ويسرد الدكتور رضا أسعد شريف في كتابه أعيان الريف في العصر العثماني، قصة التجار  أبوطاقية، والرويعي وجمال الدين الذهبي للسيطرة علي سوق السكر في القرن السابع عشر،كما يسرد معامل تكرير السكر بالفسطاط والقاهرة والدلتا، بصفتها من أهم السلع المصرية التي كانت تصدر لأوربا، مؤكدا أن التجار المصريون لم يقوموا باستغلال العبيد ولا الأهالي مثلما حدث في بلاد آخري في العالم الحديث وخاصة في الأمريكتين.

  

ولكن ماهي أقدم الرحلات التي وصفت زراعة قصب السكر وصناعة العسل الأسود  ؟ عام 1829م ارتحل فيجري بك  وهو عالم إيطالي  للصعيد، حيث تولي شأن منصب مفتش الصيدليات ،وألف كتابه الشهير البراعة في فن الزراعة حيث جاب الأقطار المصرية  وصحاريها.

يقول فيجري بك في كتابه ” حسن البراعة في فن الزراعة “الذي قام بترجمته أحمد ندا أفندي ” وتنشر مقتطفات منه مجلة عود ” إن  زراعة قصب السكر نجحت في الصعيد أكثر منها في الدلتا ” ،فلا يتحصل من بلاد الدلتا السكر القابل للتبلور، ولا يتزهر فيهما أصلا ويتزهر في بلاد الصعيد  ،” مضيفا ينبغي أن يزرع قصب السكر في المزارع القريبة من نهر النيل أو الترع التي توجد بها المياه طوال السنة وأن تكون الأرض طفلية سوداء كالأرض.

ويقسم فيجري بك أصناف قصب السكر قائلا “ويزرع صنفان من القصب في الصعيد ،أحدهما يسمي بالبلدي وهو الذي يزرع بالقطر المصري منذ قرون المنسوب إلي جزيرة بتاويا أحد بلاد الفلمنك من بلاد الهند ،وهذا الصنف تحسن بإدخاله مصر حيث يتحصل منه سكر متبلور جاف مع أن الذي يتحصل منه في بلاده الأصلية سكر دسم “، ويؤكد فيجري أن السكر المتبلور الجاف الذي أعطته تربة الصعيد لقصب السكر الهندي هو الذي جعل شهرته عالية وتفوق شهرة بلاد الهند موطن قصب الأصلي .

والصنف الثاني أدخل في مصر من مدة سنين في أيام محمد علي باشا، وهو المنسوب إلي جزيرة هاوان وجزائر أخري من خليج المكسيك ،ويتغير لونه بمرور الوقت في مصر وصار لونه أحمر ناصعا ،وتولدت عليه خطوط لونها أصفر مخضر ،وأغلبه فقد لونه الأصلي واكتسب لون القصب البلدي ،وخصوصا في الدلتا والذي فقد القصب نموه الأصلي فصار أقصر وأقل غلظة وأكثر خفة بسبب المناخ خلاف قصب الصعيد.

في الحصاد كل عشرة أشخاص يقطعون في اليوم الواحد فدانا من القصب ،ويجردونه من أطرافه العلوية المعروف بالزعزوعة، وإنما يستعمل قطعه لأجل الفوريقات” المصانع ” المتسعة التي يستخرج منها فيها السكر بواسطة آلات بخارية، أما إذا كان استخراجه بالطريقة القديمة أي بدون آله بخارية فلا يقطع القصب من أرضه إلا شيئا فشيئا بقدر الحاجة، والفدان الواحد يتحصل منه من السكر 30 قنطارا مصريا من السكر الجيد، وخمسة في المائة من العسل.

وصف فيجري بك معاصر القصب في زمانه في القرن التاسع عشر،  فهي مركبة من معصرة مكونة من اسطوانتين من الخشب الصلب طولها نحو قدمين ونصف وكل اسطوانة محاطة بحلزون محفور علي جميع طولها يتحركان بعجلتين من خشب، وهذا الاختراع منسوب للقطر المصري.

 ويوجد فوق الأسطوانة العليا عرضة ينفذ منها برمة عمود من خشب ترتفع وتنخفض علي حسب الأداة لأجل رفعها أو خفضها في عصر القصب، ثم يدخل بين الأسطوانتين 4 عيدان من القصب وتدار الاسطوانتان في اتجاه مضاد بواسطة شخصين فيخرج منها أغلب العصارة وتستقبل في حوض من الفخار يوجد أسفل.

 المعصرة وله فتحة جانبية تسيل منها العصارة في قناة تصب في مستودع من الفخار أو من الخشب لترسب المواد النباتية الموجودة فيها ،وبعد مكثها نحو نصف ساعة تؤخذ بمغارف ذات أيدي طويلة من خشب، وتصب في حلة كبيرة من نحاس محاطة بالبناء علي مساواة سطح الأرض تقريبا.

ويضيف فيجري بك ” تروق العصارة في هذه الحلة باستعمال مقدار مناسب من لبن الجير الذي يتحد بجميع الحوامض النباتية والأملاح الحمضية ،وكذلك تجمد المادة الزلالية فتأخذ معها جميع الأملاح الجيرية التي تكونت وتطفو علي سطح العصارة علي هيئة رغوة، وتؤخذ بواسطة مغرفة ذات ثقوب ومتي انقطع تكون الرغوة تركزت في العصارة قليلا، وينقل الشراب بواسطة المغارف في حلة آخري جانبية فيطبخ الشراب فيها بالدرجة اللازمة ثم يصب بواسطة المغارف في قوالب من فخار.

كانت تعتمد علي صناعة العسل الأسود صناعات آخري هي زلعة الفخار التي يوضع فيها العسل الأسود العلاوي الصغيرة ،وهي انقرضت في عالمنا المعاصر كما يوضح الباحث التاريخي أحمد الجارد لــ”بمجلة عود “، مضيفاً أن زراعة قصب السكر كان يؤخذ منها السكر أو العسل الأسود بعد تسخينه، حيث تختلف طرق صناعة العسل الأسود عن استخراج السكر وهو المعمول به حاليا في العصارات الشعبية التي تكون مهمتها فقط صناعة العسل الأسود والجلاب وليس السكر.

ويؤكد أحمد الجارد أن الكثير من الرحالة وصفوا صناعة العسل الأسود المستحرج من السكر  مثل إيميليا إدوراردزالتي اكتشفت ظاهرة تعامد الشمس علي أبوسمبل ،مضيفاً أنه في عام 1893م تألفت شركة فرنسية وهي الشركة المصرية العامة والتي اشترت المصانع القديمة التي كانت تملكها الدائرة السنية وقد تمصرت الشركة عام 1939م، وبعد قيام ثورة يوليو عام 1952م، حيث بدأ الاهتمام بالصناعة والزراعة معاً ، فقد تم تأسيس مصنع لإنتاج العسل الأسود بأبوتشت، ومصانع حديثة لاستخراج السكر، كما تم إدخال فسائل جديدة في الزراعة بدلا من الفسائل القديمة.

شارك المقال وأخبر به أصدقائك الآن

الوسوم

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.

اقرأ أيضاً

القائمة