يومًا بعد يوم تختلف النظرة إلى ذوى الاحتياجات الخاصة، بعد أن أثبتوا جدارتهم وقدرتهم على مواجهة الصعاب والانتصار عليها، وبل وتكييف الواقع والتحكم فيه لخدمتهم، بعدما آمنوا بإمكانياتهم التى حباهم الله إياها.
نعم لكل إنسان قدرات خاصة، وهؤلاء الأبطال يتمتعون بقدرات لا تراها أى عين، بل تحتاج إلى عين جواهرجى ليرى الجواهر المكنونة داخلهم ليزيح عنها الغبار وينميها ويطورها، ويخرج منهم أفضل ما لديهم.
هنا وعبر تلك الصفحات نركز الضوء على أحد هؤلاء الأبطال.
إنه البطل مصطفى نوفل، الذى أصر على تحقيق أحلامه رغم إصابته بـ«متلازمة داون»، لكن إيمانه القوى بالله وبقدراته كان دافعًا قويًّا وملازمًا له فى كل نجاحاته وإنجازاته حتى صار مصدر إلهام للكثيرين، بعد أن أصبح عارضًا متميزًا للأزياء.
بداية الحكاية
وُلد مصطفى مصابًا بـ«متلازمة داون»، فكان الخبر بمثابة الصدمة على كل أفراد الأسرة خاصة والدته، التى نصحها بعض المقربين منها بإيداعه إحدى دور الرعاية، لكنها قررت عدم التخلى عنه، والوقوف بجانبه ومساعدته والاهتمام به وتطوير قدراته، فألحقته بمدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة وحرصت على الذهاب والعودة به من وإلى المدرسة.
عوائق الرحلة
لم تكن رحلة الكفاح التى خاضتها الأسرة ومصطفى سهلة هينة، بل كانت رحلة شاقة مفروشة بالأشواك، والعوائق الكثيرة بدءًا من التحاقه بالمدرسة وهو صغير، حيث لم يكن فى مركز كفر الزيات، مقر إقامة الأسرة، سوى فصل واحد بالمدرسة يجتمع فيه كل الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة مما يجعل مهمة تعليم هذا العدد الكبير من الأطفال صعبة، بل وشبه مستحيلة فى ظل تكدس الأطفال بفصل واحد.
لم ترضخ الأم للأمر الواقع، وقررت البحث عن حل للمشكلة، ليس لطفلها فحسب، بل لكل أقرانه من الأطفال المصابين بـ«متلازمة داون»، فاتخذت من حالة طفلها سببًا لتبذل كل ما فى وسعها لتخصيص مدرسة متكاملة لهؤلاء الأطفال، وبدأت تناشد المحافظ والمسئولين حتى نجحت فى تحقيق مرادها، وتم تخصيص مبنى خاص فى المدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة، ولكن الحلم يكتمل فمازال المبنى غير مجهز بالتجهيزات التى يحتاجها الأطفال.
ثمرة كفاح
ومع مرور الأيام والسنوات، ثبت لها أن هذا الطفل يمكن أن يتقدم، مستغلًا طموحه ورغبته فى النجاح، فهو لا يحب الهزيمة ولا يحب نظرات العطف والشفقة، رافضا الضعف والاستكانة أو أن يكون صفحة مطوية فى عالم النسيان، مستندًا إلى عزيمة قوية وإرادة جبارة، حتى حقق تقدمًا فعليًّا فى الكثير من المجالات، منها الرياضية والفنية.
فعلى المستوى الرياضى، شارك مصطفى فى بطولة الجمهورية لكرة القدم الخماسية، وتم تكريمه بعد حصوله على الميداليتين الذهبية والبرونزي، كما حصل على الميدالية الفضية فى تنس الطاولة، وكذلم المركز الأول فى الوثب الطويل، وأيضًا الميدالية البرونزية فى الجرى مسافة 100 متر .
وفنيًّا شارك مصطفى غى عدد من الفعاليات الفنية والثقافية، منها ملتقى العرب الأول لذوى الاحتياجات الخاصة بحضور رئيس الجمهورية، وحصل أيضًا على جائزة ضمن مهرجان الإبداع الفنى عن استعراض أوبريت «تسلم الأيادى» وجائزة المركز الدولى عن فيلم «لا للتنمر».
عارض أزياء
موهبة جديدة تضاف إلى هذا الفتى الموهوب، اكتشفتها والدته، التى كانت تلاحظ عليه دائمًا اهتمامه بمظهره الخارجى وحرصه على ارتداء الملابس المختلفة ، فرأت فيه مشروعًا ناجحًا لعارض أزياء متألق، وتمنت أن يخوض التجربة وينجح فيها، خاصة أنه يتمتع بكاريزما مميزة تؤهله للفت الأنظار بسرعة، فضلًا عن روحه الخفيفة وابتسامته الدائمة التى تأسر قلوب المحيطين به .
فبادرت بكتابة أمنيتها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وسرعان ما تواصلت معها إحدى ماركات الملابس للاستعانة بمصطفى لعرض مجموعة من الملابس الجديدة، فلم تفرط الأم فى الفرصة وتواصلت معهم، وبعد جلسة التصوير الخاصة بعرض الأزياء أصبح نوفل حديث مواقع التواصل الاجتماعى، بعد أن أثبت للجميع أن الإعاقة الجسدية لا يمكن أن تكبل صاحبها، طالما أدرك قوته الداخلية وعمل عليها فبإمكانه تحقيق ما يعجز عنه الأصحاء، فلا إعاقة مع الإرادة والعزيمة، فكل إنسان مميز مهما رآه الآخرون معاقًا، وعليه أن يستثمر هذا التميز لتعويض ما يعتقد البعض أنه نقصان.
التعليقات